فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {الخبيثات للخبيثين}.
فيه أربعة أقوال:
أحدها: الكلمات الخبيثات لا يتكلم بها إلا الخبيث من الرجال والنساء، والكلمات الطيبات لا يتكلم بها إلا الطيبون من الرجال والنساء.
والثاني: الكلمات الخبيثات إنما تلصق بالخبيثين من الرجال والنساء، فأما الطيبات والطيبون فلا يصلح أن يقال في حقهم إلا الطيبات.
والثالث: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال والطيبات من النساء للطيبين من الرجال.
والرابع: الخبيثات من الأعمال للخبيثين من الناس، والخبيثون من الناس للخبيثات من الأعمال، وكذلك الطيبات.
وقوله تعالى: {أولئك} يعني: عائشة وصفوان {مبرؤون} أي: منزهون {مما يقولون} من الفرية {لهم مغفرة} لذنوبهم {ورزق كريم} في الجنة. اهـ.

.قال القرطبي:

{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}.
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {المحصنات} تقدّم في النساء.
وأجمع العلماء على أن حكم المحصنين في القذف كحكم المحصنات قياسًا واستدلالًا، وقد بيناه أول السورة والحمد لله.
واختلف فيمن المراد بهذه الآية؛ فقال سعيد بن جُبير: هي في رُماة عائشة رضوان الله عليها خاصّةً.
وقال قوم: هي في عائشة وسائر أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ قاله ابن عباس والضحاك وغيرهما.
ولا تنفع التوبة.
ومن قذف غيرهن من المحصنات فقد جعل الله له توبة؛ لأنه قال: {والذين يَرْمُونَ المحصنات ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ إلى قوله إِلاَّ الذين تَابُواْ} فجعل الله لهؤلاء توبة، ولم يجعل لأولئك توبة؛ قاله الضحاك.
وقيل: هذا الوعيد لمن أصرّ على القذف ولم يتب.
وقيل: نزلت في عائشة، إلا أنه يراد بها كل من اتّصف بهذه الصفة.
وقيل: إنه عام لجميع الناس القذفة من ذكر وأنثى؛ ويكون التقدير: إن الذين يرمون الأنفس المحصنات؛ فدخل في هذا المذكر والمؤنث؛ واختاره النحاس.
وقيل: نزلت في مشركي مكة؛ لأنهم يقولون للمرأة إذا هاجرت إنما خرجت لتَفْجُر.
الثانية: {لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة} قال العلماء: إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة فالمراد باللعنة الإبعاد وضربُ الحد واستيحاشُ المؤمنين منهم وهجرُهم لهم، وزوالُهم عن رتبة العدالة والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين.
وعلى قول من قال: هي خاصة لعائشة تترتب هذه الشدائد في جانب عبد الله بن أبَيّ وأشباهه.
وعلى قول من قال: نزلت في مشركي مكة فلا كلام، فإنهم مبعدون، ولهم في الآخرة عذاب عظيم؛ ومن أسلم فالإسلام يَجُبّ ما قبله.
وقال أبو جعفر النحاس: مِن أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية إنه عام لجميع الناس القذفة من ذكر وأنثى؛ ويكون التقدير: إن الذين يرمون الأنفس المحصنات، فدخل في هذا المذكر والمؤنث، وكذا في الذين يرمون؛ إلا أنه غلب المذكر على المؤنث.
{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)}.
قراءة العامة بالتاء، واختاره أبو حاتم.
وقرأ الأعمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف {يَشْهَد} بالياء، واختاره أبو عبيد؛ لأن الجار والمجرور قد حال بين الاسم والفعل، والمعنى: يوم تشهد ألسنة بعضهم على بعض بما كانوا يعملون من القذف والبهتان.
وقيل: تشهد عليهم ألسنتهم ذلك اليوم بما تكلموا به.
{وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ} أي وتتكلم الجوارح بما عملوا في الدنيا.
{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)} أي حسابهم وجزاؤهم.
وقرأ مجاهد {يومئذ يُوَفِّيهم اللَّهُ دينَهم الحقُّ} برفع {الحق} على أنه نعت لله عز وجل.
قال أبو عبيد: ولولا كراهة خلاف الناس لكان الوجه الرفع؛ ليكون نعتًا لله عز وجل، وتكون موافقة لقراءة أُبَيٍّ، وذلك أن جرير بن حازم قال: رأيت في مصحف أبَيّ {يُوَفِّيهُمُ اللَّهُ الْحَقُّ دِينَهُمْ}.
قال النحاس: وهذا الكلام من أبي عبيد غير مَرْضِيّ؛ لأنه احتج بما هو مخالف للسّواد الأعظم.
ولا حجة أيضًا فيه لأنه لو صح هذا أنه في مصحف أُبَيّ كذا جاز أن تكون القراءة: يومئذٍ يوفيهم الله الحق دينهم، يكون {دينهم} بدلًا من الحق.
وعلى قراءة العامة {دِينَهُمُ الْحَقَّ} يكون {الحقّ} نعتًا لدينهم، والمعنى حسن؛ لأن الله عزّ وجلّ ذكر المسيئين وأعلم أنه يجازيهم بالحق؛ كما قال الله عزّ وجلّ: {وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الكفور} [سبأ: 71]؛ لأن مجازاة الله عزّ وجلّ للكافر والمسيء بالحق والعدل، ومجازاته للمحسن بالإحسان والفضل.
{وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الله هُوَ الحق المبين} اسمان من أسمائه سبحانه وتعالى وقد ذكرناهما في غير موضع، وخاصّةً في الكتاب الأسنى. اهـ.
وقال القرطبي:
{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ}.
قال ابن زيد: المعنى الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون للخبيثات، وكذا الطيّبات للطيّبين والطيّبون للطيّبات.
وقال مجاهد وابن جُبير وعطاء وأكثر المفسرين: المعنى الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول.
قال النحاس في كتاب معاني القرآن: وهذا أحسن ما قيل في هذه الآية.
ودلّ على صحة هذا القول: {أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} أي عائشة وصفوان مما يقول الخبيثون والخبيثات.
وقيل: إن هذه الآية مبنية على قوله: {الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} الآية؛ فالخبيثات الزواني، والطيبات العفائف، وكذا الطيبون والطيبات.
واختار هذا القول النحاس أيضًا، وهو معنى قول ابن زيد.
{أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} يعني به الجنس.
وقيل: عائشة وصفوان، فجمع؛ كما قال: {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] والمراد أخوان؛ قاله الفراء.
و{مُبَرَّءُونَ} يعني منزّهين مما رُمُوا به.
قال بعض أهل التحقيق: إن يوسف عليه السلام لما رُمي بالفاحشة برّأه الله على لسان صبيّ في المهد، وإن مريم لما رُميت بالفاحشة برأها الله على لسان ابنها عيسى صلوات الله عليه، وإن عائشة لما رُميت بالفاحشة برّأها الله تعالى بالقرآن؛ فما رضي لها ببراءة صبيّ ولا نبيّ حتى برأها الله بكلامه من القذف والبهتان.
وروي عن عليّ بن زيد بن جُدعان عن جدّته عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لقد أعطيت تسعًا ما أعطيتهن امرأة: لقد نزل جبريل عليه السلام بصورتي في راحته حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوّجني، ولقد تزوّجني بكرًا وما تزوّج بكرًا غيري، ولقد تُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم وإن رأسه لفي حجري، ولقد قُبر في بيتي، ولقد حفّت الملائكة ببيتي، وأن كان الوحي لينزل عليه وهو في أهله فينصرفون عنه، وأن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه فما يُبِينُني عن جسده، وإني لابنة خليفته وصدِّيقه، ولقد نزل عُذْرِي من السماء، ولقد خُلقتُ طيّبة وعند طيّب، ولقد وُعدت مغفرة ورزقًا كريمًا؛ تَعْنِي قولَه تعالى: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} وهو الجنة. اهـ.

.قال أبو حيان:

والظاهر أن {الخبيثات} وصف للنساء، وكذلك {الطيبات} أي النساء الخبيثات للرجال {الخبيثين} ويرجحه مقابلته بالذكور فالمعنى أن {الخبيثات} من النساء ينزعن للخباث من الرجال، فيكون قريبًا من قوله: {الزاني لا ينكح إلاّ زانية أو مشركة} وكذلك {الطيبات} من النساء {للطيبين} من الرجال ويدل على هذا التأويل قول عائشة حين ذكرت التسع التي ما أعطيتهن امرأة غيرها.
وفي آخرها: ولقد خلقت طيبة عند طيب، ولقد وعدت مغفرة ورزقًا كريمًا.
وهذا التأويل نحا إليه ابن زيد فهو تفريق بين عبد الله وأشباهه والرسول وأصحابه، فلم يجعل الله له إلاّ كل طيبة وأولئك خبيثون فهم أهل النساء الخبائث.
وقال ابن عباس والضحاك ومجاهد وقتادة: هي الأقوال والأفعال، ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم: الكلمات والفعلات الخبيثة لا يقولها ولا يرضاها إلاّ الخبيثون من الناس فهي لهم وهم لها بهذا الوجه.
وقال بعضهم الكلمات: والفعلات لا تليق وتلصق عند رمي الرامي وقذف القاذف إلاّ بالخبيثين من الناس فهي لهم وهم لها بهذا الوجه.
{أولئك} إشارة للطيبين أو إشارة لهم وللطيبات إذا عنى بهن النساء.
{مبرؤون مما يقولون} أي يقول الخبيثون من خبيثات الكلم أو القاذفون الرامون المحصنات ووعد الطيبين المغفرة عند الحساب والرزق الكريم في الجنة.
غض البصر: أطبق الجفن على الجفن بحيث تمتنع الرؤية.
قال الشاعر:
فغض الطرف إنك من نمير ** فلا كعبًا بلغت ولا كلابا

الخُمر: جمع خمار وهو القنعة التي تلقي المرأة على رأسها، وهو جمع كثرة مقيس فيه، ويجمع في القلة على أخمرة وهو مقيس فيها أيضًا.
قال الشاعر:
وترى الشجراء في ريقه ** كرؤوس قطعت فيها الخمر

الجيب: فتح يكون في طريق القميص يبدو منه بعض الجسد.
والعورة: ما احترز من الإطلاع عليه ويغلب في سوأة الرجل.
والمرأة الأيم: قال النضر بن شميل: كل ذكر لا أنثى معه، وكل أنثى لا ذكر معها ووزنه فعيل كلين ويقال: آمت تئيم.
وقال الشاعر:
كل امرىء ستئيم منـ ** ـه العرس أو منها يئم

أي: سينفرد فيصير أيمًا، وقياس جمعه أيائم كسيائد في جمع سيد وجمعه على فعالى محفوظ لا مقيس.
البغاء: الزنا، يقال: بغت المرأة تبغي بغاء فهي بغي وهو مختص بزنا النساء.
المشكاة: الكوة غير النافذة.
قال الكلبي حبشي معرب.
الزجاجة: جوهر مصنوع معروف، وضم الزاي لغة الحجاز، وكسرها وفتحها لغة قيس.
الزيت: الدهن المعتصر من حب شجرة الزيتون.
قال الكرماني: السراب بخار يرتفع من قعور القيعان فيكيف فإذا اتصل به ضوء الشمس أشبه الماء من بعيد، فإذا دنا منه الإنسان لم يره كما كان يراه بعيدًا.
وقال الفراء: السراب: ما لصق بالأرض.
وقيل: هو الشعاع الذي يرى نصف النهار عند اشتداد الحر في البر، يخيل للناظر أنه الماء السارب أي الجاري.
وقال الشاعر:
فلما كففنا الحرب كانت عهودكم ** كلمع سراب في الفلا متألق

وقال:
أمر الطول لماع السراب

وقيل: السراب ما يرقون من الهواء في الهجير في فيافي الأرض المنبسطة.
اللجي: الكثير الماء، ولجة البحر معظمة، وكان لجيًا مسنوب إلى اللجة.
الودق: المطر شديده وضعيفه.
قال الشاعر:
فلا مزنة ودقت ودقها ** ولا أرض أبقل إبقالها

وقال أبو الأشهب العقيلي: هو البرق.
ومنه قول الشاعر:
أثرن عجاجة وخرجن منها ** خروج الودق من خلل السحاب

والودق: مصدر ودق السحاب يدق ودقًا، ومنه استودقت الفرس.
البرد: معروف وهو قطع متجمدة يذوب منه ماء بالحرارة.
السنا: مقصور من ذوات الواو وهو الضوء.
قال الشاعر:
يضيء سناه أو مصابيح راهب

يقال: سنا يسنو سنًا، والسنا أيضًا نبت يُتداوي به، والسناء بالمد الرفعة والعلو قال:
وسن كسنق سناء وسنما

أذعن للشيء: انقاد له.
وقال الزجاج: الإذعان: الإسراع مع الطاعة.
الحيف: الميل في الحكم، يقال: حاف في قضيته أي جار.
اللواذ: الروغان من شيء إلى شيء في خفية. اهـ.